محمد قناوي يكتب| رياض الخولي.. عمدة الدراما الصعيدية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

اتابع بشغف كبير للمرة الثانية التحفة الدرامية "جزيرة غمام" للكاتب والمبدع عبد الرحيم كمال ، شغفا لا يقل عن مشاهدتي الأولي للمسلسل خلال شهر رمضان الماضي.

في المشاهدة الثانية أكتشف في الحلقات معان واحداث جديدة ربما لم أركز فيها خلال المتابعة الاولي بسبب حالة الزحام الدرامي خلال الشهر الكريم.

ويمكن أعتبار"جزيرة غمام" واحد من أفضل الأعمال على مر تاريخ الدراما العربية ، ويضع نفسه الي جوار أسماء مسلسلات، مثل "الشهد والدموع" و"ليالي الحلمية"و"زينب والعرش" و"المال والبنون"و"بوابة الحلواني".

والحديث عن هذا العمل باستفاضة يحتاج كتابة خاصة عنه، ولكنني اتوقف عند شخصية "العمدة العجمي" التي جسدها الفنان الكبير رياض الخولي، وما اغراني بمتابعتها بدقة، تفاصيلها الخاصة والدقيقة والمختلفة عن أي شخصية صعيدية شاهدتها من قبل.

وبما أنني صعيدي وٌلدت وتربيت في إحدي القري التي يحتضنها الجبل الشرقي بسوهاج"الرياينة الحاجر" فأنني نادرا ما أجد نفسي مقتنعا بأداء أي ممثل للشخصية الصعيدية التي أعرفها من خلال أناس عشت بينهم طفولتي وأحلي سنوات شبابي، باستثناء ثلاثة ممثلين عظام.

أولهم الراحل "نور الشريف" في"الرحايا حجر القلوب" والثاني "ممدوح عبد العليم"في "الضوء الشارد" ،والثالث أطال الله عمره "رياض الخولي" الذي شاهدته لأول مرة في دور الصعيدي "زكريا بركات" في مسلسل"الفرار من الحب" للراحل محمد صفاء عامر.

وقد أدهشني وقتها امتلاكه كافة تفاصيل الشخصية بداية من اللهجة الصحيحة، والامساك بروح الشخصية، وقد ساعده في تقديم هذه الشخصية ببراعة ملامحه المصرية الأصيلة وبشرته السمراء.

كذلك بنيانه الجسماني القوى، ونبرة صوته المتميزة، ومن"زكريا بركات" انطلق "الخولي" مبدعا في تقديم شخصية الرجل الصعيدي ليقدم في "حدائق الشيطان" دور"دياب" الفقير الذي يقاوم الطاغية مندور أبو الدهب.

وبعدها بسنوات يقدم العمل الصعيدي البارز"سلسال الدم" للكاتب مجدي صابر، في خمسة أجزاء ، حتي وصل هذا العام إلي قمة نضوجه الفني في تجسيد الشخصية الصعيدية من خلال تقديمه دور"العمدة العجمي" في مسلسل"جزيرة غمام" الذي تكتشف وانت تتابع اداءه لهذا الدور أن السنوات الطويلة منذ بداية تقديمه أول عمل صعيدي وحتي المحطة الحالية أن هذه السنوات منحته الخبرة الكبيرة في اختيار الدور الذي يناسبه.

ووصل الى مرحلة النضج التي اتاحت له اجادة التعامل مع أي شخصية مكتوبة ليضع لها إطارا حسيا ويحولها إلى نموذج يحاكي الواقع، انطلاقا من خلفية أكاديمية أو من خبرة تراكمية.

وتميز أداء رياض الخولي في دور"العجمي" لا يضاهيه آخر داخل هذه الملحمة التمثيلية ، فقد منح الشخصية بعدًا مختلفا بفضل أداء سلس ابتعد عن المغالاة والانفعالات غير المبررة، قدم "العمدة العجمي" كنموذج حقيقي للديكتاتور العادل الذي يجمع بين الخير والشر.

وتمتزج بداخله الرغبة فى تحقيق العدل والحفاظ على الهيبة والنفوذ، فيتأرجح بين العدل والبطش، ومع هذه التناقضات تفوق "الخولى"في تجسيد الانفعالات المطلوبة بحكمة واتزان وقدرة فائقة لا تجنح إلى المبالغة، بل يوازن بين الانفعالات المختلفة بميزان حساس لا يخطئ، فتشعر بالهيبة والفخامة،  فظهر رياض الخولي في "جزيرة غمام" وكأنه عمدة متربع على كرسي الأدوار الصعيدية وأصبح المشاهدين يفضلون أن يروه بالجلباب والعمة والعصاه التي تعزز مركز القوة والسطلة على الشاشة.